هل من الممكن تصنيع الخلية الحية ؟

الخلية الحية ما هي إلا سوى غشاء رقيق يحيط بسائل هلامي تذوب فيه أكثر من مليون مركب من السكريات والدهون والبروتينات تفرز من مجموعة من الأجسام الصغيرة التي تعوم فيه مع وجود نواة في وسط الخلية عبارة هي الأخرى عن غشاء رقيق يحيط بالمادة الوراثية الساكنة فيها ومعها بعض البروتينات. والمادة الوراثية هي مجموعة من الكروموسومات التي تحتوي على جميعة معلومات الخلية يحمل تاريخ ماضيها وحاضرها ومستقبلها. تلك هي الخلية التي رغم بساطتها إلا أنها تحتاج لكتاب كبير لتدوين كل مكوناتها وشرح تفاصيل تركيباتها ووظائفها والتعاون فيما بينها.
هل هناك أبسط من ذلك في خلق أي كائن حي! بالطبع لا. فالكائن الحي قد يكون مجرد خلية واحدة مثل الأوميبا أو البرامسيوم أو البكتيريا. وقد تتراص أكثر من خلية من نفس النوع لتشكل كائن حي أكبر وقد تتحد أنواع مختلفة من الخلايا لتكون كائنًا معقد حتى نصل إلى أكثر الكائنات تعقيدًا في خلقه وهو الإنسان.
لماذا تموت الخلية الحية ولا يموت الكائن الحي وحيد الخلية. والكائن وحيد الخلية مثل الأوميبا والبرامسيوم يستطيع العيش فترات طويلة مع أنه خلية واحدة. ولكنك لو انتزعت خلية من كائن حي سواء نبات أو حيوان ستموت فورًا وقد تعيش لأيام قليلة إذا قمت بتنميتها في المزارع الخلوية في المعمل. ولا أحد يعلم السر الحقيقي وراء طول حياة خلية واحدة مثل البرامسيوم خلقت وحيدة الخلية وتموت وحيدة الخلية على عكس قصر حياة خلية واحدة تنتزع من بيئتها فلا تستطيع العيش لأيام حتى ولو زودناها بكل أنواع الأغذية المناسبة للنمو) بالطبع الخلايا السرطانية استثناء لهذه القاعدة لأسباب سوف نقوم بشرحها في مقال آخر). إنها أسرار خلق الله العجيبة التي لم يتوصل إلي تفاصيلها العلم حتى الآن رغم التراكم الرهيب واليومي في كم المعلومات البيولوجية والتكنولوجيا والمعلوماتية الحيوية.
والأعجب هو عدم قدرة العلماء حتى الآن على تصنيع الخلية الحية من مكوناتها المفككة. فرغم سهولة تفكيك الخلية لمكوناتها ودراستها جزءًا جزء بعد تفكيكها إلا أنه لم يحدث حتى الآن إعادة تجميع هذه المكونات الخلوية المفككة وتحويلها إلى خلية حية. ولا أحد يعرف السبب الذي يقف حائلا أمام العلماء في إيجاد تكنولوجيا تستطيع تجميع مكونات الخلية المنفردة وتحويلها إلى خلية أيا كان نوعها. حتى التفكير في الموضوع نظريا معقد للغاية نظرا لأن كل خلية لها طبيعة مكوناتها الخاصة ونسبها المحددة من السكريات والدهون والبروتينات بما فيها الإنزيمات والهرمونات رغم التشابه العام في تركيب الخلايا أيا كان نوعها.
ناهيك عن التسلسل المحكم للمادة الوراثية وشفرتها الخاصة بكل كائن حي. بل أن الجينات مع ان عددها ونوعها واحد في كل خلية من خلايا الكائن الحي الواحد إلا أن صمتها أو تحدثها في نفس الكائن الحي يعتمد على نوع الخلية. فهناك جينات تتحدث في خلية وتصمت في خلية أخري في نفس الكائن الحي. فالسؤال هنا ليس هو امكانية خلق المكونات الخلوية بأنواعها وبنسبها فهذا موضوع في غاية التعقيد مع أنها مجرد مواد كيميائية ولكن السؤال هو ابسط من ذلك وهو فك وإعادة تركيب الخلية الحية.
وهناك ثلاثة أنواع من التكنولوجية الخلوية والمعترف بهما حاليًا استطاع العلماء التوصل إليها إليهما منذ فترة وتطبيق نتائجهما في المعمل والحياة.
- التكنولوجيا الأولي: هي القدرة علىى نقل نواة خلية بالغة أيا كانت ووضعها بدلًا من نواة خلية بويضة وهو ما يسمي بتكنولوجيا الاستنساخ.
- التكنولوجيا الثانية: هي تكنولوجيا توليد خلايا بالغة من خلايا جذعية . وتعتمد تلك التكنولوجيا علي محاكاة ما يحدث في الكائن الحي من تحويل الخلايا الجذعية الموجودة بطبيعة الحال في الجنين أو نخاع العظم أو دم الحبل السري أو التجمعات الدهنية إلي خلية بالغة محددة دون غيرها وذلك باستخدام خلطة من مواد محددة من البروتينات المناسبة لكل نوع من أنواع الخلايا.
- التكنولوجيا الثالثة: هي حقن جينومي معدل حيث استطاع العلماء منذ عشرون عامًا والذي اعتبر ثورة بيولوجية وقتها صنع جينوم لأحد أنواع البكتيريا حيث قام فريق بحثي بزراعة هذا الجينوم الاصطناعي في خلية اخري جردت من جيناتها الخاصة. وبعدها بدأت الخلية الحية بالعمل كأي بكتيريا طبيعية من النوع نفسه.فقد استطاع علماء أميركيون بقيادة رائد الخرائط الجينية البشرية “كريغ فنتر” في تركيب خريطة جينية مصطنعة واستخدموها مع خلية بكتيرية مفرغة لتخليق خلية نشطة يؤمل استخدامها في تعلم “كيفية تصميم أحياء دقيقة حسب الطلب”. واستغرق العلماء 15 عاما أنفقوا خلالها 40 مليون دولار لاصطناع كروموسوم يحمل توليفة جينية مصطنعة ثم نقل هذه التوليفة الجينئة إلى خلية بكتيرية أخرى.
ولكن بالطبع لا يمكن اعتبار هذه التكنولوجيا الثالثة ردًا مناسبًا للسؤال الذي يطرحه هذا المقال وهو هل من الممكن تصنيع خلية حية من مكوناتها. لأن مافعله العلماء في هذا الإكتشاف الكبير هو تصميم جينوم خلية معينة علي الكمبيوتر ليعطي صفات محددة ثم تصنيع هذه الجينوم وحقنه في نواة خلية حية بعد تفريغ نواتها من الجينوم. الموجود بها. و هي تكنولوجيا مشابهه للإستنساخ ولكن بإستخدام المادة الوراثية لخلية بالغة و تعديلها جينيا لصفات مطلوبة.
وعلى عكس تكنولوجيا الاستنساخ التي لا تحدث في الطبيعة في أي كائن حي والتي نجح العلماء في التوصل إليها كتوليفة جديدة، فتكنولوجيا تحويل الخلية الجذعية إلى خلية بالغة محددة دون الأخرى تحدث بصورة طبيعية في الكائن الحي. ولذلك فقد كان سهلًا على العلماء محاكاتها في خارج الجسم بعد أن اكتشفوها في داخل الجسم وفهموا إلي حد كبير آلية عملها.
ولذلك فقد يكون الحائل وراء إعادة تجميع مكونات الخلية الحية المفككة وتحويلها إلي خلية أن هذه التكنولوجيا لا تحدث طبيعيا في جسم الكائن الحي أو علي الأقل لم يكتشف العلماء طريقة لاكتشاف حدوثها حتي الآن نتيجة لعدم وجود التكنولوجيا المناسبة. ولكن من يدري فقد يستطيع العلماء إيجاد توليفة غير موجود في الطبيعة كما فعلوا في حالة الإستنساخ وبالتالي من الممكن تصنيع خلية حية من مكونات خلوية ثابتة . وقد يبدأ ذلك بتجربة إمكانية شفط السائل الخلوي من خلية بالغة وحقنه في خلية أخري بالغة بعد تفريغها من السائل الخلوي. ولكن حتي لو نجح ذلك وهو جائز علميا جدا ، فهو لا يجيب عن التحدي في تصنيع خلية كاملة من مكوناتها المنفردة.
ومن وجهة نظري البسيطة والمتواضعة أعتقد أن تصنيع خلق خليه حية من مكوناتها المفككة هو سؤال علمي مشروع ولكني اعتبره محض خيال علمي وتحدي كبير للعلماء أن يصلوا اليه. وأظن أن هذا التحدي سيظل شاهرا سيفه في وجه العلماء إلا إذا أراد الله أن يكشف لعباده عن هذا السر والذي لو حدث لجعل العلماء أخطر من الشيطان علي الحياة لأن في هذه الحالة تتخطي شرور الانسان من الوسوسة كالشيطان والعياذ بالله إلى تصنيع كائنات حية وهذا ما اعتبره من المستحيلات.
وفي النهاية، إنه الخالق الأعظم الذي خلق الكائنات الحية بأسرارها التي سمح لنا أن نعلم منها القليل وما زلنا نجهل منها الكثير. ويكفي أن يعطينا الله القدرة فيعلي فهم ولو جزء ضئيل من تركيب ووظائف الخلية الحية أما تصنيعها من مكوناتها بعد تفكيكها فهذا شيء آخر بعيد المنال عن الإنسان لأنه يحتاج إلي روح تبث فيه وهذا ما ليس بيد البشر…
ولله في خلقه أسرار وشئون لمن يتدبر ..
اقرأ أيضًا : القليل من اللعاب يحدد وجهتك السياحية.. تعرف على سياحة الجذور