مع أصعب رحلة في التاريخ : رحلة الرسول إلى الطائف

لا أستطيع أن أتمالك نفسي من شدة التأثر كلما تذكرت رحلة الرسول محمد إلي الطائف أو كلمة ذكرها أحد أمامي. رحلة شاقة قصدها بنفسه بعد أن توفي عمه أبو طالب وشعر بوحدة كبيرة والحاجة إلى دعم لوجستي بعد أن قرر أكابر قريش أن ينالوا منه صلى الله عليه وسلم. سافر إليها ومعه غلامه زيد بن حارثة فقط كنوع من التمويه حتى تظن قريش أنه ليس على صف طويل. ورغم أن الطائف تبعد عن مكة حوالي 100 كيلومتر إلا أنه ذهب إليها ماشيا علي الأقدام بدون ناقة ولا فرس وبدون عمر ولا أبوبكر حتي لا يتبعه أكابر مكة ويقفوا بينه وبين رحلته. وسافر النبي ومعه زيد كل هذه المسافة بين الصحراء القاحلة والجبال الصلدة والحر الشديد فقط لكي يؤمن دعوة الاسلام.
وبعد كل هذا الجهد أبي أكابر الطائف أن يقدموا الدعم للرسول الكريم بل علي العكس نادوا سفهائهم ليطردوه من الطائف ويلقوا عليه بالحجارة وزيد غلامه يزود عنه بما استطاع حتى أدموا رأسه وقدمه الشريفة. وظل النبي يعدوا حتى توارى منهم بين أشجار حديقة أكرمه الله فيها بغلام أسقاة بعض من ماء العنب والدماء تسيل منه وزيد يمسحها عنه. وعندما علم الرسول أن الغلام من منطقة العراق، ذكر له أخيه سيدنا يونس وقس عليه قصته مع الحوت وكيف أنجاه ربه فما كان من الغلام والذي كان على علم بقصة سيدنا يونس إلا أنه أسلم أمام رسول الله فأدخل إسلام الغلام فرحة كبرى في قلب الرسول وجاء هذا الموقف كترضية من الله لنبيه الكريم في هذا الموقف الصعب الذي يعد أسوأ يوم في حياة الرسول كما ذكر لاحقًا للسيدة عائشة عندما سألته عن أشد الأيام قسوة في حياته فذكر لها علي الفور يوم الطائف وما حدث فيم من أهلها.
وفي وسط هذه اللحظات الصعبة أثناء رحلة الرسول إلى الطائف رفع يديه للسماء والدماء تسيل من جبينه ومن قدميه وعلى جسده الشريف. ظن زيد غلام الرسول أنه سوف يدعوا على أهل الطائف بالهلكة ولكنه رفع يديه ليس ليدعوا على من أهانوه وضربوه وطردوه وانقلبوا عليه ولكن لكي يطمئن على أن ما يحدث ليس سببه غضب من الله عليه. فدعا الله أن يرفق بحاله ويرضى عنه في دعاء تاريخي يبكي القلب كلما سمعه في أي زمان وأي مكان. وبالرغم من أن الله أرسل لسيدنا محمد في هذه اللحظات سيدنا جبريل ليخفف عنه وأرسل معه ملك الجبال لكي يأذن له أن يدكهما على رأس أهل الطائف، إلا أن الرسول رفض هذا الاختيار لعل أحد من بين هؤلاء الناس يخرج ليعبد الله ويؤمن بالإسلام. وبالفعل لم تمضي لحظات حتى آمن به الغلام.
ولم يشعر الرسول بالراحة النفسية إلا بعد أن أصبح على بعد 5 كيلومترات من الطائف ثم عاود رحلته إلى مكة وهو لا يدري ماذا هو بفاعل بعد أن عزمت قريش على عمل المستحيل لوأد دعوته بعد مات عمه وسنده ابو طالب. وعلى مشارف مكة قرأ ما تيسر من القران الكريم فسمعه نفر من الجن فأسلموا علي يديه ثم أخبروا أهلهم بدعوة سيدنا محمد ونزل في ذلك ايات محكمات على سيدنا محمد. وهكذا عوض الله النبي عن قسوة أهل الطائف بإسلام الغلام ومن معه وإسلام الجن في حدث تاريخي في الإسلام وللرسول نفسه حيث لم يكن يعلم حتي هذا الوقت أن دعوته للإنس والجن سواء.
وقبل أن يدخل النبي مكة أرسل زيد لبعض القبائل لتحمي دخوله فهو مابين قسوة الطائف وأهله في مكة الذين يتربصون بقدومه بعد أن أرسل لهم أهل الطائف بزيارة سيدنا محمد ولجوءه اليهم بالرغم من طلب الرسول لهم ألا يفعلوا ولكنهم سخروا من طلبه وأرسلوا علي الفور من يخبر قريش بما حدث. وبعد زيارة زيد للعديد من القبائل حول مكة وبعد رفض ثلاث منهم قبلت أخيرًا أحد القبائل والتي أرسلت على الفور رجالها مع الرسول في مدخل مكة تحميه من بطش أهل قريش. وبالفعل دخل الرسول مكة وقصد الكعبة ليصلي فيها ويطوف ولم يستطع فجار قريش صنع شيء بعد أن أخذ الرسول بالأسباب. وبعد ذلك أكرم الله النبي بعد هذه الرحلة الصعبة والشاقة على النفس برحلة الإسراء والمعراج لتخفف عنه ما حدث.
وبهذا نرى من هذه الرحلة التاريخية “رحلة الرسول محمد إلى الطائف” والتي سبقتها “رحلة أصحابه إلي الحبشة” طلبًا للدعم من أهل الكتاب أن الرسول كان يأخذ بالحيطة والأسباب الدنوية من أجل إنجاح دعوته للإسلام التي ننعم بها اليوم. ونرى أن الرسول قد طرق كل الأبواب وتحمل عناء المجازفة حتى وصلت المعاناة إلي ذروتها في طرده وإهانته وضربه بالحجارة وترويعه صلي الله عليه وسلم دون أن يتوقف عن دعوته ويفقد الأمل حتى نستمتع نحن بها الآن ومن قبل.
هكذا كان رسول الله الذي أعتبر وجود في الدنيا كرجل يستظل بشجرة لحين ثم يتركها. ليتنا نتعلم من هذه الرحلة التاريخية الكبري لسيد الخلق أجمعين. سيدنا محمد الذي رغم حب الله الكبير له كان أكثر الرسل ابتلاءً طوال فترة دعوته في مكة حتى هاجر إلي المدينة. ولنتعلم منها أنه مهما كان الإيذاء والتعب والحرمان فإن الصبر علي المكاره يوصلنا إلي رحمة الله ورضاه وهو خير مما نجمع في الدنيا وهو الخلاص لنا في الآخرة.
صلي الله عليك يارسول الله.
اقرأ أيضًا :
أسواق حمص المسقوفة بناه الأجداد ودمره الأحفاد.. فهل من حياة بعد الممات؟