ماذا لو انفجرت الرغبات المكبوتة في وجه المجتمع؟

الإنسان هالة من الرغبات المكبوتة والمشاعر المتحركة أمام نفسه ولكنه يحاول أن يخفي معظمها عن الناس، يبدي الشخص فقط ما يحتاجه من المشاعر التي تكفيه للتعامل مع من حوله كل بقدره ومنزلته.
وهكذا تسري الحياة بنا جميعًا من لحظة إلى أخرى لنتعايش مع أنفسنا ومع الناس لتستمر الحياة بأقل الخسائر الاجتماعية والإنسانية، ويتحمل الإنسان في ذلك ضغوطًا كبيرة؛ نفسية وفكرية وعاطفية ومالية ووظيفية، مقابل أن يُبقي العلاقات الإنسانية بلا منغصات ويبتعد الناس عن أكل لحمه.
تعرية الرغبات أمر حتمي لا مفر منه.. والنتيجة: الخسران
ولأن أمور الناس لا تخلوا من منغصات من حين إلى آخر أيًا كان جنسهم أو عمرهم أو مكانهم أو زمانهم، فعادةً ما يفضفض الإنسان عندما يخلوا لنفسه متحدثًا إليها عن مواجعه وعن طموحاته وآماله الخفية، ويحاول إخفاءها بكل السبل حتى يبدو أحيانًا قويًا وهو ضعيف بهمومه وأحزانه، كما يبدو مبتسمًا ضاحكًا وقلبه ينفطر من البكاء بين ضلوعه.
وعندما تأتي اللحظات الفاصلة في حياة الإنسان يستطيع التحمل الذاتي حتى لا ينفجر, ساعتها يشعر بالرغبة بشدة في البوح والإعلان عما يجول بداخله، تجده يعبر عن معتقداته وطموحاته، وهنا يشعر بأنه لابد وأن يعري رغباته وأفكاره أمام المجتمع المحيط به بأقواله وعاداته وثقافته وموروثاته.
وحينها يفاجيء في كثير من الحالات أنه بدا بالإبحار ضد التيار فيشعر بالإحباط، وهنا يثار السؤال الكبير: لماذا يعترض المجتمع المحيط إذا كانت الرغبة مشروعة والطموح مطلوبًا، هكذا يكون حال النفس التي تريد والمجتمع لا يريد أو على أقل تقدير لا يتركها تقدم أو تستمتع بما تريد.
صراع الموروثات
وهكذا تظل النفس في صراع وتحدي كبير بين الرغبات المكبوتة والمشروعة وبين رغبات المجتمع المتسلطة الرافضة، والإنسان القوي سواء المسلح بـقوة مقرونة باللامبالاة أو بـقوة الإيمان التي لا تهاب إلا الحق المشروع، يقدم على ما يريد تحقيقه بعزم وإيمان.
ولا يلقي بالًا بالمجتمع المحيط حتى ولو تعرض لمضايقات أو ضغوط غير مشروعة ضد طموحاته المشروعة، أما الإنسان المسالم فيركن إلى الجزء الضعيف في نفسه ويتنازل عن حقوقه، وينساق الشخص وراء رغبات وموروثات مجتمعه المحيط وهو يعلم علم اليقين أنها موروثات قد تكون غير مشروعة.
وتمضي على ذلك الحال، الحياة بكلا الفريقين وسط المجتمع المحيط، الفريق القوي الذي حقق ما أراد، والفريق المسالم الذي تنازل فحُرم من حقوقه، ومع أن الحياة لا مفر سوف أن تمضي سواء كنا حانقين أو راضيين عنها، وسواء كنا أقوياء أو مسالمين.
إلا أن الجميع يكتشف قرب انقضاء الأجل، أن المجتمع المحيط والذي كان عاملًا فاعلًا ومؤثرًا في مواقفنا وتحقيق أو نسيان رغباتنا هو نفسه قد نسي أمورنا وانتقل إلى أمور أخرى تشغله، وهنا تكتشف النفس الضعيفة خسرانها المبين ولكن بعد فوات الأوان.
حائط الصد: تعارض الدين مع الرغبات
والعجيب أن نرى تغلب الكثير من الموروثات والعادات في مجتمعنا المتدين بطبعه على ما ينص عليه ديننا، فهل هذا التدين راجع إلى ميول الناس إلى التدين بغض النظر عن الفهم الحقيقي وراء فلسفة الأمور الدينية ربما للشعور بالراحة والاطمئنان، أم أن هذا التدين لم يتم تدريب الناس عليه في الأمور الحياتية.
أيًا ما كان هذا أو ذاك، فعلى الإنسان أن يحقق الرغبات المكبوتة المشروعة ولو عارضتها شريحة من المجتمع، ببساطة لأن المجتمع نفسه سوف ينسي ما عارضه ويبقي صاحب الأمر يتجرع المر والندم بينه وبين نفسه على ما فاته، ولذلك، فعلى الإنسان أن يقتحم ذاته بين الحين والآخر ليفتش عما تحتاجه فيحققه ليسعد.