«ليلة» بكى فيها الرسول تسببت في فتحٍ عظيمٍ للإسلام

بعد ١٣ سنة عجاف قضاهم في الدعوة للإسلام في مكة هاجر الرسول -ص- إلى المدينة عن عمر يناهز ٥٣ عامًا. فلم يترك نبي الله مكة إلا غصبًا حتى يخفف الأذى عن أصحابه الذين سبقوه في أفواج في نفس العام إلى يثرب، وكان بصحبة سيدنا أبو بكر، والصحابي علي بن أبي طالب كان آخر من هاجر بعد أن استتب الأمر للصحابة في يثرب تحت رعاية الأنصار.
تعمدت قريس خلال ١٣ سنة عجاف التفنن في كل أنواع الأذى للرسول الكريم حتى توفي جده عبد المطلب، وانتقال الرعاية المعنوية للرسول إلى عمه أبو طالب.
وصلت ألوان الظلم في العام السابع من الرسالة عندما طوقوا رسول الله والصحابة جميعًا وعزلوهم في شعاب أبي طالب بمكة، حتى ضاقت الأرض بما رحبت بالمسلمين حينئذ، ولم يجدوا شيئًا يقتاتوا عليه سوى عُشب الأرض. ولم ييأس الرسول وخرج من شعاب مكة معززًا مكرمًا بفضل ما أخبر به قيادة مكة عن الصحيفة بصحن الكعبة بعد ثلاث سنوات متتالية قضاهم المسلمون ومعهم الرسول بالمنفى الإجباري وسط الصحراء القاحلة.
وبعد استمرار تشدد أهل مكة على سيدنا محمد وأصحابه بعد خروجهم من الشعاب، ووفاة السيدة خديجة زوجته وداعمته، ثم وفاة عمه أبو طالب بعدها بستة أشهر، حزن الرسول جدًا فقصد الطائف لعله يجد هناك من يعضده ويخفف عنه ما يلاقيه من جحود أهل قريش. إلا أنه بعد أن هاجر الرسول إلى الطائف لقى خذلان من أهلها ورموه بالحجارة، ورسول الله يجري منهم حتى وصل دون أن يدري إلى حديقة على أطراف مدينة الطائف، فألقى بنفسه هناك، ورفيقه الصحابي زيد بن حارثة يمسح عن رسول الله الدماء التي تسيل من وجهه من أثر الحجارة.
وهنا دمعت عينا الرسول مما لاقي من أهل الطائف فتوجه إلى الله يدعوه: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملَّكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة؛ أن يحل عليَّ غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.
ومنذ هذه اللحظة القاسية جدًا في حياة الرسول من موت زوجته وعضده وموت عمه وجحود أهله في مكة والطائف، بدأت فكرة الهجرة إلى يثرب خاصة بعد حنو أهلها عليه ودعمهم ومناصرتهم العلنية له. وبالفعل هاجر الرسول في خلال ثلاث سنوات من حادثة الطائف الرهيبة التي بكي الرسول فيها.
وهكذا كانت هجرة الرسول التي رأى فيها الخلاص من أهل الكفر وفرصة لاستباب الأمن للمسلمين ليتفرغوا لبناء دولتهم الكبرى، الأمر الذي حدث بالفعل بفضل اتحاد المهاجرين والأنصار وإيثارها كل طرف الطرف الآخر.
وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه” رواه البخاري ومسلم في صحيحهما. وهكذا يعلمنا الرسول كيف تكون الهجرة ولماذا ومتي وأين.
هاجر الرسول وهو كاره ولكنها المصلحة العليا للإسلام وللمسلمين التي دفعته لترك أحب البلاد إلي قلبه والتي كانت له ذكريات جميلة مع أهله وأقاربه وزوجته وحتى مع سيدنا جبرائيل في غار حراء. ومع ذلك تركها بعد أن أعيياه المقام هناك.
عليك أفضل الصلاة وأزكى السلام يا رسول الله الذي تكبدت كل العناء والقسوة والجحود والإيذاء فقط من أجل أصحابك ومن أجل تحقيق دعوة الإسلام.
اقرأ أيضًا: مع أصعب رحلة في التاريخ : رحلة الرسول إلى الطائف