صناديق القدر

نولد ولا ندري أن خلايانا معبأه بمجموعة من الجينات التي لو نقص واحد منها أو زاد أو تغير مكانه أو تركيبه لتحولنا إلي قرود أو عصافير أو فيلة أو كائنات فضائية. جينات هي صناديق القدر التي لا مفر من فتحها كل ساعة وكل يوم لتفرغ محتوياتها فينا من مختلف البروتينات التي تجعل الواحد منا قصيرًا أو طويلًا، نحيفًا أو سمينًا، أبيضًا أو أسمر، جميلًا أو قبيحًا وما غير ذلك من الصفات الجسدية والنفسية التي نظهر بها أمام الناس فيرتاحوا لنا أو يبغضونا.
ومع أن هذا النوع من صناديق القدر موجود بنفس العدد في جميع البشر فيبدو مجرد صندوق لدى الجميع، إلا أنه يختلف قليلًا في تركيبه الدقيق من شخص لآخر فنبدوا قبائل وأمم لنتعارف ونتكامل ونتعاون. وهذه النوعية من صناديق القدر لا حيلة لنا فيها ، فهي إرث من الأب والأم بالتساوي. إرث نستلمه سواء عاش الأبوين أو رحلا عن الحياة ، ونصرفه سواء أحسنا أم أسأنا إستعماله.
وصندوق كل منا مملوء بملفات نسخت فيها صفاتنا وسلوكنا. وتسمى هذه الملفات “الكروموسومات” والتي يصل عددها في الانسان 23 زوج أي 46 كروموسوم يأتي نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم بعد اندماج نواة الحيوان المنوي وما بها من كروموسومات (23) مع نواة البويضة وما بها من كروموسومات (أيضًا 23) أثناء عملية الاخصاب الشهيرة والتي نسميها التزاوج . وما الكروموسوم إلا ملف عبارة عن شريط مكون من آلاف من الجينات، بكل جين فيه كود محدد لبروتين محدد يقوم بوظيفة محددة في الخلية رضينا أم لم نرضي.
وعندما نولد وبنا هذه الصناديق ونكبر، نجد أننا ولدنا داخل صناديق قدرية أخري. فهذا صندوق الأسرة، وهذا صندوق العائلة، وذاك صندوق الجيران وآخر للزملاء والأصدقاء في الدراسة أو العمل، وذاك صندوق في السفر وفي الشارع وفي المتنزهات. نجدنا وقد ولدنا وحولنا آلاف الصناديق المتنوعة في الشكل واللون والحجم، كل صندوق منها به صندوقه الخاص من الجينات التي يحملها في خلاياه هائما هو الآخر وسط الصناديق الأخري حوله.
وعندما نولد وفي كل منا صندوقه الخاص وحوله الصناديق العامة والخاصة والقريبة والبعيدة والتي لا بد من التعامل معها وفتحها ، نكتشف أن كل الصناديق سواء بداخلنا أو بداخل الآخرين خلقت جميعا في صندوق كبير هو صندوق الدنيا ، صندوق الحياة ، الصندوق الأكبر الذي يحتوينا جميعًا بين الأرض والسماء. صندوق لا حيلة لنا فيه هو الآخر، صندوق لكل منا مكان محدد فيه بالميلاد، صندوق لا نبرح مكاننا فيه إلا بالسفر والترحال ولكن نبقي دائمًا داخل الصندوق إلا بالرحيل عن الدنيا. فلا أحد منا يختار في هذا الصندوق الكبير قريته أو مدينته أو دولته أو قارته التي ولد فيها. صندوق قد يكون مكاننا فيه في الصحراء الجرداء أو على كتل جليد القطب الشمالي أو في كوخ على خط الاستواء.
وهكذا نولد وفينا صندوق الحياة، وصناديق حياة الآخرين حولنا ونعيش جميعًا داخل الصندوق الأكبر، صندوق الأرض الذي هو أيضًا كان قدرنا منذ أن هبط جدنا الأكبر آدم من الجنة ومعه أمنا الكبري حواء ليسكنا هذا الصندوق الكبير حتى يفرج عنا جميعًا ونخرج منه ونتحرر ونعود مرة أخري إلى الحياة الآخرة.
وهكذا نجد أننا ولدنا من قدر إلى قدر ولا يبقى لنا إلا العقل الذي وهبه الله لنا لنهتدي به ونختار بين اليمين وبين اليسار وبين الحلال والحرام. عقل هو فوق الجينات وفوق الصناديق، عقل هو هبة من الله وضعها فينا أمانة حتى قيام الساعة والتي عندها تفتح جميع الصناديق الخاصة والعامة وما عبأ فيها لنا من أعمال قدرية وما اكتسبنا فيها من نيات وأعمال كان العقل وراءها أو أمامها.
أدعوا الله أن تكون صناديقنا بيضاء
اقرأ أيضًا :
أهدافك قضبان يسير عليها قطار النجاح.. والسر «استيقظ مبكرًا»