شباب ينتج التفاؤل ويهندس المبادرات

إن احتضان المبادرات الشبابية فور تخرج طلاب الجامعات قبل أن تجرف هموم الحياة طاقتهم ومهارتهم وتفاؤلهم، لهي مهمة قومية أكبر من احتضانهم أثناء سنوات التعليم.
ليس غريبًا أن نرى الفساد حولنا وورائنا، وليس غريبًا أن نرى اللامبالاة تخرج لسانها حولنا وورائنا وأمامنا. وليس غريبًا أن نرى المفسدين والفاسدين والمتنطعين يرفعون رؤوسهم حولنا. كل ذلك ليس غريبًا لأن الفساد خُلق منذ بدء الخليقة ولابد من وجوده طالما هناك نفس بشرية تدب فيها الروح. فالحيوانات لا نتهمها بالفساد لأنها لا تعرفه وليست مخيرة فيه كما خُيرت النفس البشرية.
وليس غريبًا أيضًا أن نرى البنائين في كل مكان وزمان حولنا، بنائين في كل ميادين الحياة، في التعليم والصحة والأمن والتشييد والفن والأدب. بنائون يقاومون لغة الفساد ويحاربون على أرض الواقع قاموس اللامبالاة. وليس غريبًا أن نرى المتفائلين رغم كل شيء يبتسمون حولنا ولنا، ويرفعون القبعة للبنائين، ويزرعون بذور الأمل في الحياة لعلها تطرح ولو بعد حين.
ليس غريبًا أن نجد بين هؤلاء البنائين والمتفائلين رجال ونساء من كل الفئات والأعمار يعملون في صمت وبلا ضجيج، يطلقون المبادرات الشبابية بإخلاص وبدون حلف اليمين، يفعلون ذلك كتعاقد بينهم وبين رب العالمين، وليس لمنصب أو جاه أو مال أو سلطان مبين. ليس غريبًا أن نري هؤلاء بيننا كعناقيد النور يضيئوا لنا بأعمالهم الطريق طالما أن الله خلق الحياة مع النور.
ولكن الغريب حقًا أن نرى طائفة من الناس بلا اتجاه أو رأي أو سند مبين، أناس بلا طعم أو رائحة أو لون يسر العيون. فتارةً ينقدون الفاسدين على فسادهم، ومرةً يحاربون البنائين والمتفائلين على أعمالهم. فلا هم يملكون الأدوات الحقيقية للفساد فنستطيع ردعهم على فسادهم ولا هم يتمتعون بامتلاك لغة التفاؤل أو أدوات البناء في أبسط صورها وأشكالها فتسطيع عقابهم.
فهم بذلك فوق الفساد نائمون وتحت الأرض يغوصون، السلبية والشكوي والنقد الهدام هي لغتهم. هؤلاء هم العدو الخفي فلنحذرهم ولنتقي شرورهم العفنة الدفينة. هؤلاء قد يكونون بالصدفة في منصب أو بالقرب من منصب أو يغزلون الشباك لتصميم منصب أو لسقوط منصب. هؤلاء هم الأيدي والأرجل الخفية التي تمشي بين الناس بالحقد تارة والفسق والفساد تارة أخرى، يفعلون ذلك وهم يلبسون ثوب الرياء والنفاق والطيبة والحكمة.
فإذا كان الفاسد مرئيًا فأمره هين، وإذا كان الهدامون أمامنا وحولنا نراهم فأمرهم أيضًا علينا هين. فلا خوف من الفاسد والهدام إذا عَلِمناه، فأضعف الإيمان هو العمل علي تقويمه وردعه أو معاقبته وضحده. أما الخوف والقلق كله فمن هؤلاء الذين يجرون تحت الأرض بأقدام من فساد، ويحلقون في الهواء بأجنحة من نفاق ورياء. علينا الكشف عنهم وتعريتهم أمام الرأي العام حتى نتفرغ للفاسدين والهدامين.
والشباب الواعي والمتعلم والمثقف الذي يمتلك المهارات تكمنه من إطلاق تبني المبادرات الشبابية هم فوق هؤلاء وهؤلاء، فوق الفاسدون وفوق الهدامون وفوق المنافقون. وعلى هذا الشباب الواعي ألا يلتفت إلى السلبية ولكن عليه أن يرى الإيجابية في عيون المتفائلين وأفكار وأعمال البنائين وهم كثر. وقد رأيت في الشباب هِمة في البناء غير عادية، وطاقة في التفاؤل هائلة تبحث عمن يُعضدها ويدفع بها إلى الأمام لمسارها الصحيح.
فلا يكاد يمر يوم إلا أن أجد أمامي مشروع تنموي رائع من شباب الجامعة. فهذه مبادرة عن زرع ونشر التفكير العلمي والمهارات العلمية لدى الشباب، وتلك مبادرة عن بناء الحاضنات التكنولوجية ومتطلباتها، وتلك مبادرة عن تعليم ونشر لغة التخاطب، وغيرها من المبادرات الطلابية الرائعة بفكر وإدارة طلابية بحتة على أعلى مستوى من المهنية. بل لقد فوجئت أن معظم المبتكرين من شباب الجامعات والمدارس، يفكرون في كل شيء ويبتكرون كل شيء سواء بفكر تقليدي أو جديد.
وجدت أن الشباب عمومًا وفي عمر الجامعة خاصةً يمتلكون قدرات فكرية مهارية عالية جداً، قدرات مبهرة لمن في مثل جيلي، قدرات أغبطهم عليها إذا ما قارنت نفسي بهم وأنا في عمرهم. أصبح لدي إيمان راسخ بأن جيل شباب الجامعات قادر على تقديم نموذج علمي وتنويري واقتصادي رائع ودور فعال نستطيع أن نعتمد عليه وبقوة في بناء نهضة مصر الجديدة.
ولكن المبادرات الشبابية مرهونة بمدى احتضان الدولة لهؤلاء الشباب فور تخرجهم من خلال مبادرات قومية ممولة على الأقل لمدة ثلاث أعوام يستطيع فيها الشباب أن يوظف طاقاته قبل أن تجرفها هموم الحياة وطلباتها الملحة وما أكثرها. وبهذا نكون قد وظفنا طاقة الشباب ومهاراته الهائلة التي تفوق آلاف المرات طاقات ومهارات الكبار. ومن ناحية أخرى، تستفيد الدولة من هذه الطاقة في البناء لنهضة تنموية ومجتمعية كبيرة.
أدعو كل مَن يمتلك القدرة المؤسسية أو الشخصية في أي من قطاع الأعمال سواء في الطب أو العلوم أو الهندسة أو القانون أو ريادة العمال أو التعليم أو الفنون إلى الوقوف بجانب الشباب ودعم مبادرتهم فور تخرجهم حتى ولو كان ذلك على حساب الكبار، كما يفعل دائمًا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من المبادرات الشبابية المختلفة والمؤتمرات والتي تؤصل قدرة وتمكين الشباب على القيادة والتفاعل المنظم والمتقن مع الآخر من خلال تعليم وتعلم مؤسسي.
تحيةً للشباب المتعلم والواعي صاحب الرؤية والمهارات وتحية لكل مسئول يقف بجانب الشباب ويشد من أزره ومد يد العون له بطريقة مؤسسية.