رسول الله -صل الله عليه وسلم- القدوة والمثل في العلاقات الإنسانية!

منذ صغري وأنا عاشق لقراءة التاريخ، وكانت حصة التاريخ بالنسبة لي هي من أمتع الحصص في جميع المراحل الدراسية. وكان كتاب التاريخ – خاصة الصف الأول الثانوي -هو من أقرب الكتب إلي قلبي ولذلك كنت أحتفظ بها لمدة سنوات حبًا في المادة العلمية بتلك الكتب. ففي قراءة التاريخ أستطيع أن أري جوانب القوة والضعف في الشخصية. ففي قراءة التاريخ تجد نفسك وقد تختلف مع الشخصية أو تتفق حسب الموقف وحسب قناعاتك الشخصية. وكثيرا ما إنبهرت بمواقف بعض الشخصيات في مراحل معينة من حياتها وسرعان ما ينقلب هذا الإنبهار إلي ضده بمجرد أن أقرأ مواقف أخري في حياته..رسول الله صل الله عليه وسلم قدوتنا.
وعلي عكس كل الشخيصيات التاريخية التي قرأت عنها، أجد نفسي ما من مرة أقرأ فيها جزء من سيرة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في أي مرحلة من مراحل حياته إلا وتملكني الإعجاب والتوافق عن إقتناع بقراراته ومواقفه سواء تجاه أصحابه أو أهله وعشيرته أو الأغراب ولو كانوا من غير ملته. ويتملكني هذا الإعجاب علي طول الخط من قبل بعثته ونزول الوحي عليه منذ أن كان طفلا ثم صبيا أو شابا كما حدث في واقعة رفع الحجر الأسود لمكانه بالكعبة عندما احتكم إليه كبراء قريش قبل أن يتحول الخلاف بينهم إلي قتال. وكذلك حينما اكتشفت الجميع بعد وفاته صل الله عليه وسلم رهانه لدرعه عند أحد اليهود في المدينة مما يدل علي العلاقة الإنسانية الرائعة فعلًا وليس كلامًا.
وما بين سيرته صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ووفاته صلي الله عليه وسلم الكثير من المواقف التي تجعلني أقف إجلالًا وإحترامًا وتقديرًا لشخص الرسول الكريم بجانب حبي الكبير له. فلا أنسي موقفه من أحد أهل قريش ممن إعتاد أن يؤذي الرسول عمدًا بوضع القاذورات علي ظهره أثناء الصلاة لنفاجأ بالرسول يسأل عنه عندما مر يوم أو يومان دون إيذاء. ولا أنسي موقفه من صبره وجلده عندما تم محاصرته هو وأصحابه وأهل بيته في شعاب مكة بالرغم من الظلم الواضح عليه ولكنه صبر من أجل مبدأه وقناعته. ولا أنسي إصراره علي النجاح رغم الأذي الشديد من أهل الطائف عندما سألهم العون واللجوء إليهم هو وأصحابه من بطش قريش ولكنه لم يدعُ عليهم بالرغم من تعمدهم إيذاءه نفسيًا ورده ردًا مهينًا.
ولا أنسي موقفه منذ دخوله المدينة وطريقة معالجته للأمور بين المهاجرين والأنصار من ناحية وبينه وبين اليهود من ناحية أخري. فكم كان حكيمًا عندما أمر الناقة أن تختار مكان المسجد عندما رأي تنافسًا شديدًا وإختلاف في الآراء قد يؤدي إلي فرقة غير مقصودة. ولا أنسي حكمته البالغة في عقد المعاهدات مع اليهود من بني قريظة علي سبيل المثال. ولا أنسي كيف كان يوزع الأدوار بين الشباب في قيادة الجيوش في الغزوات والأخذ برأي ومشورة الجميع في التخطيط كما حدث مع سلمان الفارسي في غزوة الخندق والتي سميت علي اسم فكرة سلمان في حفر الخندق حول المدينة كنوع من الدفاع الذكي.
ولا أنسي موقفه العاقل والحكيم من حادثة الإفك التي أوذي فيها نفسيًا جدًا بسبب الإشاعة المغرضة التي ألقاها أبي بن سلول في شرف زوجة الرسول السيدة عائشة. ولا أنسي أبدًا صداقته المخلصة لسيدنا أبو بكر وحبه له ليكون رمزًا خالصًا مدي الدهر لصديقه. ولا أنسي كم كان صلي الله عليه وسلم حنونًا علي أصحابه مؤلفًا بين قلوبهم ومتواضعًا جل التواضع بلا أدني تكبر.
ولا أنسي موقفه في صلح الحديبية عندما قبل وهو الأقوي شروط قريش المجخفة حينئذ والتي لم يرضي عنها معظم الصحابة ولكنه بحكمته البالغة وافق علي الشروط والتزم بها كما أرادت قريش. ولا أنسي موقفه يوم فتح مكة عندما جاءها بأصحابه منتصرًا بإذن الله ولكنه لم يهين أو يؤذي أهله في قريش بل علي العكس أكرم أبو سفيان العدو اللدود وجعل كل من يقصد داره في مأمن ليعطي مثلًا رائعًا في العلاقات الإنسانية حتي بين المسلم والمشرك.
وهناك الكثير والكثير من المواقف التي لا يتسع لها المجال وتحتاج صفحات وصفحات ومجلدات لكي نقدمها لأبرهن علي الأسباب التي تجعلني دائمًا منبهرًا بشخص الرسول علي طول الخط. حتي في اللحظات والمواقف النادرة التي عاتبه فيها الله مثل إعراضه وبنية طيبة وبغرض المصلحة العامة عن ذلك الرجل الكفيف الذي جاءه ليسأل عن شيئ في الإسلام فأعرض عنه الرسول برهة لإنشغاله ببعض المشركين لإقناعهم بالإسلام. فقد كان إعراض الرسول مؤقت ومن أجل المصلحة العامة من أجل تقوية شوكة المسلمين بسعيه لضم مسلمين جدد.
وهكذا نظل نتعلم من الرسول الكريم الحكمة والموعظة والحنكة وحسن المعاملة مع القريب والبعيد والصديق والعدو ليصبح الإنسان بين الناس وكأنه ولي حميم.
صل الله عليك يا خير الأنام.
اقرأ أيضًا: «ليلة» بكى فيها الرسول تسببت في فتحٍ عظيمٍ للإسلام