حتى لا نصاب بالجنون: العقل البشري معجزة إلهية لم تفك شفرتها بعد

العقل البشري هو الترمومتر الذي يقود مشاعر صاحبه بين الواقع والخيال وقد يجعل من الواقع خيال ومن الخيال واقع
العقل تكنولوجيا دقيقة غير مرئية، أودعها الله في الإنسان، وجعله واحة يهرب إليها في السراء والضراء، وفي الخير والشر، وفي الحزن والفرح. إنه العقل البشري الساكن في أدمغتنا وهو الصندوق الأسود الذي لا يستطيع أحد فك رموزه إلا صاحبه. العقل البشري هو تلك المساحة الشاسعة باتساع العالم أجمع ببحوره وأنهاره، وسهوله وجباله، وليله ونهاره، لا يشاركه فيها أحد في يقظته أو في أحلامه، مساحة يتبختر فيها أينما وكيفما ومع من يشاء.
وكثير من الأوقات أتساءل؛ هل من الممكن أن يعذب الإنسان بدون وجود أسباب العذاب، والعكس صحيح هل من الممكن ألا يعذب الإنسان رغم وقوعه في أسباب العذاب، كما حدث مع سيدنا إبراهيم وهو في النار، أو سيدنا يونس وهو في بطن الحوت. والإجابة على السؤالين هي (نعم) من الممكن نفسيًا وبيولوجيًا، والإجابة متعلقة بكيفية عمل المخ؛ وبالتالي البصمة والإفرازات العقل، وذلك حسب المؤثرات الخارجية نفسية كانت أم جسدية وتأثيرها على وظائف المخ.
فقد يشعر الإنسان وحده بزلزال بالرغم من عدم وجود زلزال حقيقي، وقد يشعر وحده بدوران رغم أنه جالس لا يتحرك، وقد يصل الأمر بأن يشعر وأنه طفل مع أنه قد يكون قد تعدى الستون، وهكذا وأكثر كما يحدث في الأحلام عندما نعيش لحظات بطولها وعرضها دون وجود حقيقي لهذه الأحداث.
فعندما ينتاب العقل البشري صداع نصفي نشعر بدوار، وقد ينتابنا عدم تركيز في التفكير مما قد يؤثر على قراراتنا، وعندما ترتفع درجة الحرارة ونصاب بالحمى تتأثر خلايا المخ وقد نفقد القدرة على الوعي والإدراك، وقد تحدث حالة خرف وهلوسة وهذيان تجعل المحموم يخرج أسرار عقله الباطن بدون وعي، وعندما نتعاطى جرعة عالية من مادة مخدرة قوية أو عقار من عقارات الهلوسة تتفكك معلومات المخ وتسيح في العقل كما يسيح الحديد الصلب تحت تأثير النار، وعندما يصاب المخ بمرض عضال خاصة في أماكن التفكير والإدراك فقد يشعر الإنسان باضطرابات عقلية شديدة قد تجعله يشعر بدوران أو زلزال أو قد يتطور الأمر ويصاب بفقدان التعقل ويصبح كالطفل الصغير ويعطي شهادة بأن يعامل معاملة الأطفال ثم الجنون.
وهكذا نرى أن الإنسان عرضة لوقوع عقله تحت تأثيرات خارجية تصيب العقل البشري تجعله يشعر إما بالعذاب أو السعادة أو الجنون بمجرد تغير وظائف المخ؛ وبالتالي العقل وهو جالس دون أن يتحرك من مكانه، وهكذا قد يخص الله أفرادًا بالعذاب دون غيرهم بالرغم من عدم وجود أسباب العذاب، فقط بتهيئة الشعور بهذه الأسباب في عقل صاحبها، تمامًا وكأنه يشعر بزلزال قوته 7 درجات على مقياس ريختر دون أن يقع الزلزال.
وعلى النقيض قد يخص الله البعض بالسعادة دون غيرهم رغم عدم وجود أسباب السعادة؛ بأن يدع شعور السعادة في عقله فيسعد بها وحده مع تعجب الآخرين من شعوره بهذه السعادة، فالله يختص عباده بما يشاء والله على كل شيء قدير، ولذلك فشقاء وعذاب وسعادة الإنسان لا تحتاج إلي أسباب زمنية أو مكانية أو فيزيائية أو كيميائية أو بيئية خارجية، بل تحتاج فقط إلى إحداث خلل في كيمياء المخ لتجعل العقل يشعر بمحسوسات ليس لها وجود إلا في عقله هو.
ولذلك فإن العقل البشري هو الترمومتر الذي يقود مشاعر صاحبه؛ فإذا حدث فيه عطب ولو صغير فسوف يؤدي ذلك إلى خلل خطير في كيفية شعوره بما حوله، وقد يفسر ذلك كيف لملايين السيارات على الطرق السريعة وكلها تجري بسرعات فائقة يتم التحكم فيها من خلال العقول وراء عجلات القيادة، فلو حدث خلل ولو بنسبة واحد في البليون لواحدة فقط من هذه العقول لحدثت فوضى كبيرة على الطريق بسبب الحوادث لا قدر الله، فما بالنا لو حدث خلل في بعض العقول أو جميعها في آنٍ واحد.
وإذا كان العقل البشري شأنه شأن مخ المخلوقات الأخرى مسيرًا ومبرمجًا إلا أن المخ البشري في معظمه مخيرًا، يفكر ويقرر وينفذ ويحلل في أقل من الثانية، لولا القدرة الذاتية لهذا العقل الذي يمتلك تلك الإمكانات الهائلة في التحكم في نفسه لتحولت البشرية إلى صراعًا دمويًا لا ينتهي.
والأكثر عجبًا أن يتعاون هذا العقل مع المخ ونحن في ثبات عميق في إخراج أحلامًا هي أشد حبكة من الأفلام التي ينفق عليها الملايين، سواء كانت أفلام رعب أو دراما أو خيال علمي أو رومانسية. أحلام قصيرة وطويلة لم نكتبها ولم تخرجها ولم نفكر فيها، أحلام هي أفلام كتبها وأخرجها وأنتجها العقل ووزع الأدوار على الأبطال والكومبارس كيفما يشاء وبحرفية ومهنية عالية، حتى أننا نجد أنفسنا في الأحلام نقابل أناسًا نسيناهم أو أناسًا لا نعرفهم ونتحدث لغات لم نتعلمها ونزور أماكن بعيدة جدًا لم نراها ولم نسمع عنها من قبل.
فعندما نغفو للحظات قليلة نجد أنفسنا وقد حلمنا حلماً قد يطول وقته عن ساعات، مكانه بلاد لم نزرها قط، ولغته لغة لم نتعلمها قط، وسكانه أناس لا نعرفهم ولا قابلناهم قط، وأحداثه في زمن من الأزمان الغابرة لا نعرفه. كيف يستطيع المخ أن يفعل كل هذا في ثوانٍ معدودة وبهذا الإخراج والتنسيق والإنتاج والتصوير والسيناريو والإكسسوارات وهذا الجمع الهائل من الممثلين، لو اجتمع كل مخرجي ومنتجي العالم لإخراج هذا الحلم (الفيلم) وأنفقوا مليارات الدولارات واستعانوا بأشهر الممثلين والممثلات والمعدات الفائقة للتصوير برًا وبحرًا وجوًا؛ أكاد أزعم أنهم لن يتمكنوا من إخراجه بالصورة التي نراها بالحلم.
حقاً العقل البشري معجزة إلهية في بيولوجيا الإنسان لم تفك شفرتها بعد، وبالطبع لن تفك حتى لا نصاب بالجنون، فالعقل هبة من الله فوق منحة الجسد بجوارحه المختلفة، العقل فوق الجوارح هو هذا السر الإلهي الذي لا يعرف أحدًا كينونته ولا كيف يتواصل مع الجوارح والروح.
ومازلنا نجهل الكثير والكثير عن العقل البشري وكينونته، ولكن يكفينا فخرًا بصنع الله في العقل بجعله قادرًا على الوصول إلى مرحلة الذكاء الصناعي وخاصة إنترنت الأشياء، ونحمد الله أن العقل البشري لا يستطيع أحد غير صاحبه أن يتحكم فيه أو يتلصص عليه ويطوعه، فالحمد لله على خصوصية العقل وعلى حمايته من عبث النفس وعبث الغير.
إنه العقل البشري الذي لا يدري بحاله سوى الله الخالق الأعظم، والله علي كل شيء قدير. فحمدًا الله على نعمة العقل وحفظه الله من كل خلل.
اقرأ أيضاً: العقل الباطن قوة تعمل في صمت وتتحكم في حياتك من حيث لا تعلم
..بسم الله والحمد لله .
مقال مفيد ورائع …ولكن اسمح لي ماذا تقصد بالعقل هل يوجد بجسم الانسان وبالاخص في رأسه عضو يسمي عقل ان العقل من التعقل والتعقل يعني ربط الامور ووزنها من خلال البرمجات العديدة التى حصل عليه هذا الذي تسميه عقل اما عن المشاعر والاحاسيس ليس لهذا الذي تسميه بالعقل اي صلة او علاقة سواء من قريب او من بعيد بهذه العملية