تاريخ كرة القدم الدموي

“اهدأ قليلًا يا رجل هذه ليست لعبة حياة أو موت، إنهم يمرحون ويدخرون الملايين وأنت هنا تحترق أعصابك من أجلهم”
إذا كنت مشجعًا متعصبًا محبًا لكرة القدم ستبدو هذه الجملة مألوفة لك، ورغم ما تحمله من فكرةٍ قد تبدوا منطقية إلا أنك تستنكرها وتضرب بها وبقائلها عرض الحائط، أنتَ تحب كرة القدم وتعرف أنها تعني الكثير ربما لا تدرك لماذا هي مهمة لهذا الحد ولكنك تتبرع بقلبك وبأموالك وبكل شئ من أجلها.
بنظرةٍ سريعة ستجد العديد من التفسيرات العلمية التي تتحدث عن سر الارتباط العجيب بين المشجع وبين ناديه، بعض التفسيرات أرجعت هذا الأمر إلى ارتفاع مستويات الهرمون المسؤول عن النشوة والسعادة والمعروف علميا باسم هرمون “الدوبامين”، وبعضها تحدث عن الارتباط العاطفي وعن حاجة الفرد الدائمة أن يشعر بالانتماء لمجموعةٍ تحمل طباعه وهو بالطبع ما سيجده في مجتمعٍ كبير كمجتمع كرة القدم.
لكن هذا الصخب العلمي لم يجاوبنا عن سؤال مهم: لماذا نعتبرها تحديدًا لعبة حياة أو موت؟ دعنا إذن نأخذ بعضنا البعض في رحلة تاريخية لأثبت لكَ حقيقةً واحدة تقبع داخل هذا الجلد المدور: كرة القدم لم تكن يومًا إلا لعبة حياة أو موت.
مباراة الموت… أودلف هتلر مجددًا
لا يمكننا أن نذكر كلمة “الدماء” دون أن نربطها تلقائيًا بنصف شاربٍ أرعب أوروبا وكانت رائحة الدماء هي الرائحة المفضلة بالنسبة له، إنه أودلف هتلر الزعيم النازي الذي قتل في كثير من التقديرات ما يقرب من 6 ملايين شخص أثناء حربه الخاطفة على أوروبا، كان من بينهم 11 رجلًا تم قتلهم بأمر مباشر منه لأنهم يلعبون كرة القدم باستمتاع وهذه هي تهمتهم الوحيدة، إنهم لاعبي فريق “fc start”.
نحن الآن في عام 1942، الحرب العالمية الثانية على أشدها والجيش الألماني يتقدم بسرعة كبيرة في معظم أنحاء أوروبا والحلفاء على وشك الاستسلام، فجأةً قرر الفوهرر أن إنجلترا ليست مهمة بالنسبة له وأن على جنوده أن يبدأوا حربهم على الاتحاد السوفيتي معقل الشيوعيين واليهود، ومع تقدم القوات النازية نحو أوروبا الشرقية وجد قادة الجيش السادس أن احتلال أوكرانيا يعد أمرًا لابد منه كي تكون مركزًا لتحركات الجيش ولكي لا تكون عقبةً في طريقهم نحو السوفييت.
ومن هنا تبدأ قصتنا، من العاصمة “كييف” عاصمة أوكرانيا السوفييتية، حيث كانت كرة القدم تحظى بشعبية كبيرة في الاتحاد السوفيتي في ثلاثينيات القرن الماضي مما أدى إلى إنشاء الدوري السوفيتي عام 1936 كما تمت إعادة هيكلة عدد من الأندية كان من ضمنهم دينامو كييف ولوكوموتيف أندية الصفوة في جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية.
وعلى نفس المنوال لم تكن الحكومة النازية ترغب في تصدير نفسها كوحوش يسفكون الدماء دون رحمة لذلك كان عليهم أن ينظموا الأحداث الثقافية والرياضية لإلهاء الناس، ولكن ما العقبة التي تقف في طريقهم؟ ببساطة كان قرار القيادة بحل أندية كرة القدم وترحيل اللاعبين ليعملوا كعمال في المصانع التي تشرف عليها الحكومة النازية بالإضافة إلى تجريم لعب كرة القدم إلا للجنس الآري أولى العقبات التي تقف في طريقهم نحو هذا الهدف.
لكن من حسن الحظ أن هناك واحدٌ من تلك المصانع كان يعمل لديه 9 لاعبين سابقين مثلوا أندية دينامو كييف وسبارتاك أوديسا ولوكوموتيف كييف، ومع اجتماع هؤلاء اللاعبين في رواقٍ واحد أخذوا قرارهم بتشكيل نادي “”the start ليلعبوا لعبتهم المفضلة بعيدًا عن ضجيج المدافع وأزيزها.
كان الحاكم العسكري معجبٌ بأسلوب لعب الفريق الجديد لكن غروره منعه أن يرى بعض الحثالة من السوفييت متوفقين على الجنس الآري الأسمى لذلك قرر أن يبارزهم في مباراةٍ ليثبت للعالم أنهم الجنس الأقوى في كل شئ، في نفس الوقت تم تشكيل نادي آخر تابع للنازيين يدعى،Ruch ، وكان القرار واضحًا أن يلعب الفريقين مباراةً خاصة حملت تضاربًا واضحًا في الأيدلوجيا.

انطلقت المواجهة في يوم 6 أغسطس لعام1942 وانتهت بهزيمة الألمان بخماسية، لكن الألمان قرروا أن يثأروا للرايخ الثالث فطلبوا إعادة المباراة بعد ثلاثة أيام فقط.
بنهاية الشوط الأول كانت النتيجة 3-1 للفريق الأوكراني، عند الاستراحة، دخل ضابط ألماني إلى غرفة الملابس المتداعية في Start وألقى رسالة تقشعر لها الأبدان: “لا يوجد سوى الألمان الذين يمكنهم الفوز اليوم، “اخسروا هذه المباراة، وإلا قتلناكم”

سميت هذه المباراة بعد ذلك “مباراة الموت” نظرًا لأن السوفييت رفضوا الخضوع، فتم قتلهم بدمٍ باردٍ خارج الملعب وفوق رؤوسهم لافتة كبيرة كتب عليها ” جنسٌ واحد، رايخ واحد، قائدٌ واحد”، لكن الغريب أن تلك اللافتة لم تكن يومًا فوق رؤوسهم.

عادةً لا يفرق الرصاص بين البشر وبعضهم البعض ولا تفرق البندقية بين حامليها فتسقط من يد أحدهم لتكون في يد عدوه بعد لحظات ورصاصها مستمعٌ باختراق أجساد الجميع، تلك الخاصيةٌ لم تكن حكرًا على الرصاص الأصم بل جمعت بينه وبين بينيتو موسوليني القائد الفاشي فلا يفرق بين أعداءه ومحبيه، بين لاعبي بلاده وبين لاعبي الخصم، الكل له دوره تحت المقصلة إن رفض أوامر الدوتشي.
شارك المنتخب الإيطالي لكرة القدم في بطولة كأس العالم 1938 والمقامة بفرنسا باعتباره بطل النسخة السابقة من المسابقة، كان الدوتشي الإيطالي مسيطرًا تمامًا على البطولة السابقة باعتبارها مقامةً على أراضيه لكن تلك المرة فالبطولة على أرض العدو وأمام جماهيره، هنا يمكن الإشارة إلى أن أوروبا كانت على صفيحٍ ساخن بسبب أفعال موسوليني وصديقه المقرب أودلف هتلر مما قد يزج بالقارة العجوز في حرب عالمية ثانية حاولت كثيرًا أن تتلاشاها، ويمكن الإشارة أيضًا إلى أن المنتخب النمساوي رفض الذهاب للبطولة بعد احتلال ألمانيا النازية للنمسا بطريقةٍ سلمية مما جعل البطولة مكونة من 15 منتخبا، بينهم 12 منتخبا أوروبيا، مع تأهل فرنسا وإيطاليا بشكل تلقائي.

كانت إيطاليا تفوز سواءٌ جاء هذا الفوز في الأشواط الإضافية أو بركلات الترجيح أو بأي شئ، ما يهم الدوتشي هو أن إيطاليا تفوز وأن حلم كأس العالم الثاني على التوالي بات علي بعد 90 دقيقة فقط سيلعبها الفريق أمام منتخب المجر بعدما أقصى الآتزوري منتخبات النرويج وفرنسا والبرازيل.
