الجريمة العابرة للحدود و العولمة.. أية علاقة؟

الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو عبر الوطنية يقصد بها السلوك الذي يرتكب من قبل عصابة إجرامية في أكثر من دولة واحدة، أو ارتكب في دولة واحدة ولكن جرى جانب كبير من التخطيط له و توجيهه أو الإشراف عليه في دولة أخرى، أو ضلعت فيه جماعات إجرامية تمارس أنشطة في أكثر من دولة واحدة، وتكون الجريمة المنظمة عبر الوطنية إذا ارتكبت في دولة واحدة ولكن حصلت لها آثار شديدة في دولة أخرى. [1]
إن التحول إلى العولمة بما تعنيه من تنقل الأشخاص و الأموال و المعلومات عبر الدول، أدى إلى تسارع و نمو الأنشطة التجارية و المالية و الاقتصادية بوجه عام، وما تبع ذلك من محاولات لإيجاد أسواق و شركات و تكتلات اقتصادية، إلى جانب التطور المذهل في وسائل الانتقال و الاتصال.
تلك العوامل أدت إلى عولمة الجريمة، وبدأت جماعات الجريمة المنظمة في تطوير هياكلها و أساليبها، بالاستفادة من ثمار التقنية التي سخرتها لتحقيق أهدافها الإجرامية [2] ، وانطلقت إلى العالم الخارجي تسعى وراء المال متجاوزة الحدود الوطنية ومنتهكة سيادة الدول و متحدية القانون وأجهزة إنفاذه.
مدت الجريمة المنظمة أنشطتها عبر حدود الدول، واسفادت من الشركات العملاقة لممارسة الأنشطة غير المشروعة من خلال الاختفاء تحت مظلتها أو بالسيطرة عليها.
الشركات المشروعة تتقيد وتحترم تعهداتها في البلد المضيف أو هكذا يفترض، لكن الجماعات الإجرامية لا تحترم القانون ولا سيادة ولا أعراف فهم يريدون المال فقط، ومن أجل الحصول عليه يستخدمون كافة الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة، و الغاية عندهم تبرر الوسيلة.
لا شك أن انتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود تعد من الإفرازات السلبية للعولمة، إذ انتهزت الجماعات الإجرامية الفرصة وقامت بعقد تحالفات مع منظمات إجرامية مختلفة في أماكن متعددة لزيادة بسط نفوذها و إشباع رغبتها في السيطرة على الأسواق العالمية، لكي تمرر نشاطها الإجرامي، لا سيما تجارة المخدرات التي تعد المصدر الأساسي للتمويل.
من أجل ذلك تحالف الكارتل “كالي” في كولومبيا، و المافيا الصقلية، وتحالفت المافيا الإيطالية و الياكوزا اليابانية، وتحالفت المافيا الروسية وتشكيلات إجرامية باكستانية و دنماركية و تركية وهولندية [3]، فحققت الجريمة المنظمة أرباحا خيالية استخدمتها في تنمية قدراتها وتوسيع أنشطتها عبر دول العالم، وبذلك أصبح العالم بأسره ميدانا تجول فيه و تصول، يعززها المال بلا حدود وبلا معوقات وبلا ترشيد في الإنفاق. [4]
إن هذا التوسع و الانتشار للجريمة العابرة للحدود أصبح بالفعل خطرا يهدد العالم بأسره ويزعزع الأمن و الاستقرار و يعيق التنمية، وينهب تماسك المجتمعات، فضلا عن الضرر المادي و المعنوي الذي يتأثر به ضحايا العنف و التهديد و الابتزاز و الاتجار بهم و بأعضائهم، وغير ذلك من ممارسات الجريمة في ظل ضعف قدرات الدول التي تنشط فيها الجريمة من ناحية، ومن ناحية أخرى اختلاف الأنظمة القانونية بين الدول في ظل إقليمية القانون الجنائي [5].
لذلك تعبر الجريمة العابرة الحدود دون أن تستطيع أجهزة العدالة الجنائية الوصول إليها، مما يترتب عليه صعوبة الوصول إلى الأدلة المادية وملاحقة الجناة.
الجريمة العابرة للحدود تعتبر إذن من أهم الإفرازات السلبية للعولمة، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في السياسات الرقابية المستخدمة في مثل هذه المجالات، والعمل على إعداد بدائل ناجعة تعزز لنا الاستقرار والأمن المجتمعي الذي يطمح له سكان المعمورة.
المراجع المعتمدة :
[1] المادة ( 2/3 أ ) من اتفاقية باليرمو، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
[2] محمد الفاضل، التعاون الدولي في مكافحة الإجرام، منشورات جامعة دمشق، ط 7 دمشق، 1996، 1997م .
[3] محسن عبد الحميد أحمد، الآثار الاقتصادية و الاجتماعية للجريمة المنظمة ومحاولات مواجهتها إقليميا و دوليا، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات و البحوث، العدد 207، الرياض، 1999.
[4] محمد فتحي عيد، محمد فتحي عيد:” الإجرام المعاصر”، مركز الدراسات و البحوث، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية – العدد 204، الرياض، 1419 ه – 1991، مرجع سابق.
[5] المؤتمر الوزاري العالمي المعني بالجريمة المنظمة عبر الوطنية، نابولي 21-23 نوفمبر / 1994 ، (التشريعات الوطنية ومدى كفاءتها في التصدي لمختلف أشكال الجريمة عبر الوطنية، مبادئ توجيهية ملائمة من أجل التدابير التشريعية وغيرها من التدابير التي يجب اتخاذها على الصعيد الوطني)، وثيقة معلومات خلفية، رقم الوثيقة E/CONF.88/3 ، فقرة (63).